26 - 06 - 2024

عاصفة بوح | حياة موازية

عاصفة بوح | حياة موازية

من منا لم يرغب ان يعيش حياة موازية لحياته الواقعية الرتيبة المملة أو حتى حياته المتجددة الثرية بإنجازاتها، ولكنها تقع فى نهاية الامر فى حدود المعقول والمنطقى وبها كثير من التكرار، بحكم قوانين الحياة وواقعيتها، فالإنسان ملول بطبعه ويجنح للتغيير، كما يرى في الطبيعة وتغير فصولها ما بين ربيعى صيفى إلى خريفي شتوي عاصف وبارد .. فلو كانت طبيعتنا الاستقرار على وتيرة وتيمة واحدة لما خلق لنا الله الليل والنهار بشمسه وقمره .. إذن هذا خلق الله سبحانه. 

ولكن ماذا تفعل إذا اكتشفت فجأة أن هناك دواء كتبه الطبييب لك لتقوية الذاكرة يحقق لك تلك الأمنية ويتيح لك فرصة حياة موازية لحياتك الواقعية من خلال الأحلام؟

نعم الأحلام هدية الله للإنسان كي يتحلل من حدود الجسد وينطلق في براح الملكوت بقدرات خيالية، تنزع عنك رداء جسدك ومحدوديته إلى براح الحلم، وما يقال أنه فى النوم نفسه تنطلق الروح خارج الجسد  حتى يستدعيها الرحمن لتعود الى الجسد وقت الاستيقاظ أو فى صباح اليوم التالي. 

إذن الانتقال حقيقي ووارد حدوثه، فماذا لو حفز الدواء جزءا ما من مخنا العجيب، والذى يقال أنا نستخدم منه جزءا صغيرا وأن إمكانياته المهولة لم تكتشف بعد! وجعلنا الدواء نعيش حياة موازية ومتجددة .. نفاجأ بها كل يوم ويجعلك تتأهب وتستعد فرحا بهذا اللقاء اليومي المدهش والمثير، تكسر بها رتابة واقعك المتكرر؟

فرصة ذهبية.. أليس كذلك؟ 

إذن استعد للآتي.. من بين الأحلام المدهشة الساحرة التى تتحقق بها الأمنيات المستحيلة أحيانا، رأيت فيما يرى النائم أني أطير إلى الفضاء، تحطنى بلاد وتشيلنى بلاد، أرى فيها تعدد الشعوب أحط عليهم كالنسر أعيش حياتهم وأدخل معاركهم وأحب وأكره معهم، وأستيقظ سعيدة بما عشته لليلة وأتوق متلهفة إلى اليوم التالى؟ فيا ترى يا هل ترى، من سأصادف في ليلتى التالية؟ 

كأني أعيش ليلة من ليالي ألف ليلة وليلة، يوما أكون نجمة عالمية أنال فيه الأوسكار عن فيلم مصري شديد الواقعية يصور ما نعيشه يوميا من صراعات وإحباطات وبعض الانتصارات المتناثرة هنا وهناك تعيننا على البقاء طافين على بحر الحياة، وأقول ماذا لو تحقق ذلك يوما من الأيام؟ الفن المصري يعلو ويطير ويغنى كل الأغاني الممكنة؟؟ 

 وفي يوم أخر أكون بطلة قصة حب عاطفية مجنونة، كما نرى على شاشات التلفاز والتى حرمت منها نساء الشرق، مرة بحكم التقاليد والثانية بحكم المادية النفعية التى سادت في اختيارات الشباب،  فألغت بها قرارات القلب البريئة الصادقة وكان الثمن فادحا من حياة باردة للطرفين يعيشان فيها بحكم الضرورة والظروف أو النفعية المتبادلة المتفق عليها دون عقد مكتوب، لكن بلا طعم أو حياة، وكله من أجل الأولاد الذين يأخذون صورة سيئة عن علاقة الحب والمودة و الرحمة، التى لابد أن تتوافر في أي علاقة زوجية؟؟ ولكنه حلم لذيذ استيقظت منه منتشية مبتسمة وبشعور رومانسي تتمناه كل أنثى على وجه الأرض، لأنتقم به من كل حالات الجفاف العاطفى الذى يقتل ولكن بدون تشييع جنازة الفقيد.. وتظل القلوب تحلم به أحلام يقظة لا تتحقق أبدا إلا لمن ملكوا الوعى لينهوا به علاقة فى انتهائها نجاة للطرفين!

و لكن الذي أدهشنى حقا أننى حلمت يوما أنى زوجة لحاكم عربى، وأنى كنت مطلعة معه على كل أحوال البلد وأناقشه فيما يحدث وأطالبه بتحقيق رحمة رسولنا الكريم وعدل سيدنا عمر، كنت زوجة مسؤول مهم ومواطنة عادية فى نفس الوقت فى مزيج لا يتحقق إلا في الأحلام.. أسانده بيدي اليمنى كزوجة رجل مهم  وأطالبه بالاستجابة لمطالب الشعب بيدى اليسرى. وكنت أستغل ولهه الشديد بى فى الحلم لأصل إلى تحقيق كل مطالب الرعية.. استغلالا لضعف الرجل بحبه للأنثى لتحقيق حياة تتمناها كل الشعوب.  

ووجدت بلدي فى صفوف الدول الكبرى، تستمع إلى حكمتنا ونجاحاتنا في تحقيق تنمية، كانت نموذجا لدول العالم الثالث لتلحق فيما تأخرته بعد الألفية الأولى، وتقصر فيها المسافات ما بين حضارة الدول العظمى والذين يحاولون التشبه بها .. ممكن؟ كان تمنيا أكثر منه حلما، استيقظت منه وكلي أمل أن أراه واقعا يتباهى به أولادنا بين الأمم!

و لكن الأكثر إثارة وجنونا هو أننى فى ليلة عاصفة أويت فيها مبكرا إلى فراشي ، منتظرة بلهفة المحب حياتى الموازية، فوجدتنى قفزت أزمنة إلى الامام ، آلاف من السنين تغير فيها شكل العالم، ولكن المفاجأة أنى وجدت كأننا فى العصر الحجري أو فى بداية الخليقة.. قرود تتقافز على الأشجار ونجرى وراء الحيوانات ولم نصل حتى لمرحلة الزراعة فماذا حدث؟ أين الحضارة العملاقة التى – حاشا لله - تكاد تقول للشيء كن فيكون ، أين السفر عبر المجرات، أين الاتصالات مع المخلوقات المنتشرة فى الفضاء الواسع،والذى اثبت لنا أننا لسنا الوحيدين في هذا الكون، وكانت الإجابة: الحروب النووية وتوابعها الموازية للتقدم التكنولوجي .. انفجرت الصراعات القائمة على الطمع والأنانية وجنون العظمة والسيطرة من جنس تصور أنه شعب الله المختار، وأنه من طينة ثانية فاستبد وتجبر وجر العالم إلى جنون الفناء وأعادنا إلى المربع الأول من مسيرة الإنسانية، لعلنا نتعظ ونتلافى الأخطاء التى جعلتنا نعيد السطر الأول من الدنيا!! 

ما أحلاها من حياة موازية، قد تنتهي عندما يجد الطبيب أن الذاكرة عال العال، ولا حاجة إلى حبوب السعادة مرة أخرى!!
---------------------------------
بقلم: وفاء الشيشيني

مقالات اخرى للكاتب

عاصفة بوح | حسابات دقيقة وحسابات قبيحة





اعلان